الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
سنة الاستشارة، الإنسان الذي لا يهتمُّ بآراء مَنْ حوله إنسان متكبِّر، يظنُّ في نفسه الكمال وليس كذلك؛ لذلك من سُنَّة الرسول أن يستشير مَنْ حوله ويسمع
ليس هناك إنسان يمتلك كل الخبرات والمواهب والفنون والعلوم؛ إنما يظلُّ المرء دومًا في حاجة إلى غيره كي يُكْمِل عجزه ونقصه، والإنسان الذي لا يهتمُّ بآراء مَنْ حوله إنسان متكبِّر، يظنُّ في نفسه الكمال وليس كذلك؛ لذلك كان من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستشير مَنْ حوله، ويهتمُّ بسماع آراء الناس، ويأخذ بنصحهم، وحصرُ المواقف التي استشار فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأُمَّهات المؤمنين، أو حَرِصَ فيها على سماع آراء مَنْ حوله، أمرٌ صعب لكثرته؛ وقد استشار أمَّ سلمة رضي الله عنها في الحديبية، واستشار الصحابة في القتال في بدر، وفي الخروج إلى أُحُد، واستشار أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما في أمر عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، واستشار سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رضي الله عنهما في إعطاء ثلث ثمار المدينة لغطفان، ولم يندم يومًا على استشارة فعلها، وهو الذي قال -كما روى الطبراني -وقال السيوطي: حسن- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه-: "مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ, وَلاَ نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ, وَلاَ حَالَ مَنِ اقْتَصَدَ".
وإذا كان على المسلم أن يستشير مَنْ يثق برأيه في قضايا حياته فعلى المستشار أن يكون أمينًا في الرأي الذي يتقدَّم به؛ وقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ". وروى أبو داود -وقال: الألباني حسن- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ، وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ".
فعملية الاستشارة إذن تحتاج إلى تفاعل جيد بين اثنين؛ الأول يستشير بتواضُع واستعداد لقبول النصيحة، والثاني يُشِير بأمانة وإخلاصٍ وحرصٍ على نفع طالب الاستشارة، فإذا تحقَّق هذا التفاعل سعد الجميع بالنتيجة، وطُبِّقَت سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك